2021
. يوليو
63
الرقابة . العـدد
16
والقاضــي الإداري بحســب الأصــل هــو قاضــي مشــروعية
يكمــن دوره، في دعــوى الإلغــاء في فحــص القــرار الإداري،
والتثبــت مــن ســ مته قانونيــا، وعــدم مخالفتــه لمبــدأ
المشــروعية. علــى أن مهمــة القاضــي تصبــح صعبــة حــن
يعتــرف القانــون لــ دارة بالســلطة التقديريــة في بعــض
القــرارات؛ أي إنــه يطلــق يدهــا في حريــة تقديــر واختيــار
لعــدم
ً
ملائمــات ومناســبات صــدور القــرار الإداري، نظــرا
إلمامــه بالوظيفــة الإداريــة وابتعــاده عــن ظــروف ومناســبات
صــدوره.
ومـن أمثلـة السـلطة التقديريـة لـ دارة مـا نصـت عليـه المـادة
(42) مــن قانــون الخدمــة المدنيــة الكويتــي؛ إذ جــاء فيهــا
مــا يأتــي: «يجــوز بقــرار مــن الوزيــر بنــاء علــى اقتــراح لجنــة
شــؤون الموظفــن ترقيــة الموظــف بالاختيــار»؛ فقــد وضعــت
لترقيــة الموظــف بالاختيــار، ومــع ذلــك
ً
هــذه المــادة شــروطا
فهــي تركــت لــ دارة ســلطة تقديريــة في منــح الموظــف هــذه
الترقيــة مــن عدمــه؛ فالمشــرع لــم يقيــد الإدارة في حــال
توافــر هــذه الشــروط بــأن تلــزم وتجبــر علــى ترقيــة الموظــف
بالاختيــار. وفي الجانــب المقابــل؛ فــإن الترقيــة بالأقدميــة
تكــون وجوبيــة علــى الإدارة لا تتمتــع فيهــا بســلطة تقديريــة؛
فالمــادة (32) مــن قانــون الخدمــة المدنيــة تنــص علــى الآتــي:
«يرقـى الموظـف بالأقدميـة في أول ينايـر أو أول يوليـو التالـي
لمضــي ســنة علــى بلــوغ مرتبــه آخــر مربــوط درجتــه».
إن تقســيم الســلطة الممنوحــة لــ دارة إلــى ســلطة تقديريــة
وسـلطة مقيـدة ليـس الهـدف منـه منـح الإدارة حريـة التقديـر
وفقــا لمــا تقتضيــه الضــرورات العمليــة أو حمايــة حقــوق
وحريــات الأفــراد فقــط؛ بــل إن هــذا التقســيم هــو متعلــق
أيضــا بتنبيــه الإدارة إلــى كيفيــة ممارســتها لاختصاصهــا،
فهــي تســلك الطريــق الــذي أرشــدها إليــه المشــرع احترامــا
لمبــدأ المشــروعية، ذلــك المبــدأ الــذي يســود الدولــة القانونيــة
بأجهزتهــا ومؤسســاتها. فعلــى ســبيل المثــال، عندمــا يلــزم
بتعيــن مــن تنطبــق عليهــم
ً
المشــرع الإدارة بــأن تصــدر قــرارا
الشـروط أو تمنـح الرخصـة لمـن تنطبـق عليهـم الشـروط ممـن
اســتوفى المتطلبــات اللازمــة، فــإن في هــذا القــرار حمايــة
لحقــوق الأفــراد، وكذلــك توجيــه وإرشــاد لــ دارة بأنهــا في
حــال لــم تقــم بإصــدار القــرار فــإن قرارهــا الســلبي ســيكون
عرضــة للإلغــاء مــن قبــل القاضــي الإداري؛ لمخالفتــه مبــدأ
المشــروعية.
إن الاعتــراف بالســلطة التقديريــة لــ دارة يعنــي إطــ ق
يدهــا في حريــة تقديــر واختيــار ملائمــات ومناســبات
صــدور القــرار الإداري، لكــن القضــاء الإداري، وإزاء تعســف
الإدارة في تقديــر هــذه الملاءمــة، تمكــن مــن بســط رقابتــه
علــى ملاءمــة القــرار الإداري؛ وفي ذلــك مظهــر حقيقــي مــن
مظاهـر تضييـق نطـاق السـلطة التقديريـة لـ دارة. فـإذا كان
المشــرع قــد ســمح لهــا، وبســبب أداء أعمالهــا، بــأن تتمتــع
بسـلطة تقديريـة؛ فـإن القضـاء الإداري كان لهـا بالمرصـاد إن
هــي انحرفــت عــن جــادة الصــواب.
وقــد أيــد جانــب كبيــر مــن الفقــه هــذا المســلك القضائــي
ورحــب بــه، في حــن ذهــب بعــض الفقــه في الاتجــاه الآخــر
وجــاء معارضــا لهــذه الرقابــة؛ بســبب اعتــراف المشــرع
مسبـــقا بالســلطة التقديريــة لــ دارة. وتجــد رقابــة الملاءمــة،
والتــي تمثــل إحــدى صــور الإبــداع في قضــاء مجلــس الدولــة
في مصــر وفرنســا، تطبيقهــا الواســع في مجــال القــرارات
التأديبيــة والضبــط الإداري والحريــات العامــة. كمــا أن
محكمـة التمييـز الكويتيـة قـد طبقـت هـذه الرقابـة؛ إذ تشـير
إليهـا بفكـرة الغلـو، ومـن صـور الغلـو عـدم الملاءمـة الظاهـرة
بــن درجــة خطــورة الذنــب ونــوع الجــزاء الــذي وقــع علــى
الموظــف.
ومــن هنــا بــدأ تحــول دور القاضــي الإداري مــن قاضــي
مشـروعية فقـط إلـى قاضـي مشـروعية وملاءمـة أيضـا، فهـذا
التوســع المســتمر لــدور القاضــي الإداري أضحــى قيــدا علــى
تصرفــات الإدارة وســلطتها التقديريــة، فــإذا كانــت الإدارة
حـرة في إصـدار قـرارات التعيـن في الوظائـف العامـة؛ فإنهـا
تخضــع لرقابــة القاضــي إذا قيــدت نفســها بنفســها عبــر
وضــع قواعــد تنظيميــة معينــة تنطبــق علــى المتقدمــن.
ولا تعتبــر هــذه الرقابــة مــن قبيــل توجيــه الأوامــر مــن
القاضــي إلــى الإدارة أو تدخــ في أعمالهــا، ذلــك أنهمــا
أمــران مختلفــان تمامــا، فرقابــة الملاءمــة تعنــي إعمــال
مـن تقديـر الإدارة، فهـو هنـا
َ
القاضـي الإداري لتقديـره بـدلا
لا يوجــه الإدارة لعمــل معــن كأن يلزمهــا بتعيــن أحــد
رسائل علمية